Tuesday, December 11, 2007

فتفوته من السكر



( فى غرفه الأشعه)
كان هناك اثنان يلوذان بالركن فى خجل .. فتاه جميله فى ربيعها السادس عشر , و شاب فى العشرين شاحب يلهث .. كانا زوجين لم تمض شهور على زواجهما .. و بدأت أفحص الزوج , كانت رئتاه مُصابتين بسل فى درجه متأخره .. و كانت الزوجه بحاله جيده .. و بدأت أملأ بيانات التحويل الى مصحه ,, و سألنى الزوج ..الحال ازيه يا دكتور ؟
فلم أجب و ظللت حائرا لحظه .. ثم وضعت يدى فى ذراعه و خرجت به من الغرفه .. كان على ان اقول له انت مريض بالسل .. ولم أعرف كيف أقولها, و ظللت أتهته لحظه, و لكنى فوجئت به يقول بصوت ثابت
أنا عارف انى عيان بالسل يا دكتور .. لكن عاوز منك خدمه صغيره ... عايزك تخفى الخبر ده عن مراتى لانها لو عرفت حتموت .. أنا متأكد انى هخف و ارجعلها .. أرجوك يا دكتور متقولهاش .. هى مش ممكن تستحمل الصدمه .. ونظرت الى الزوجه الجميله التى تلوذ بالركن و لاحظت انها تنظر الى وجهى فى ضراعه .. ثم جلست افكر .. و ابتعد الرجل و هو يرتعد ليوشوش زوجته بكلمات قليله .. ثم مرت دقائق و اقتربت منى الزوجه ثم صحبتنى الى ركن بعيد و مالت عليا هامسه : انا عارفه يا دكتور ان جوزى مريض بالسل .. أنا كشفت عليه قبل كده عند دكتور خصوصى .. لكن أنا جيت لك بيه عشان تطمنه ... عشان تقوله انه مش عيان .. و انها انفلونزا و هتروح .. جوزى مش ممكن حيتسحمل الصدمه دى , أرجوك متقولوش أنا عارفه انه بخير و هيخف .. لكن لازم تخفى عنه حقيقه حالته دلوقتى ارجوك .. كانت تتكلم فى تهدج و تختلس الى زوجها نظرات طويله حنونه ,و ادرت وجهى الى النافذه و امتلأت عيناى بالدموع
و احسست فى قلبى بشئ كالنسيم يكتسح الحر القاتل و همست فى تأثر: حاضر ..اطمئنى مش هقوله
* * *
و حينما انفض السامر.. و خلت الغرفه من المرضى كنت اقف فى النافذه .. أتأمل الزوجين الصغيرين و قد تساندا يعبران الطريق فى خطوات بطيئه و كنت أهتف من قلبى ما أروع ذلك الحب
و كان الى جوارى مندور يحمل صفا من الدفاتر .. تلك الدفاتر المهلهله التى طالما كرهت النظر اليها وجدت نفسى أحمل الدفاتر كأنى احمل كنزا .. و اضعها فى رقه على الكرسى , ثم أجلس الى المكتب فى شوق كأنى أحتضنه و اهمس الى مندور : فى عيانين فاضلين يا مندور
لا مفيش يا بيه خلاص
ولا واحد ؟
ولا واحد
يا سلام داحنا خلصنا بدرى
كنت أقولها فى أسف فقد أحسست بمدى حبى للعمل .. و مدى حبى للناس .. و مدى السعاده التى تهبها لى هذه الغرفه الكبيره الكالحه ,, و قمت من جديد كالطفل لأُطل من النافذه باحثا بعينى عن الزوجين الحبيبين فى الشارع الطويل كأنى أبحث عن فتفوته من السكر
_____________________
فتفوته عجبتنى من كتاب (أكل عيش) للدكتور مصطفى محمود

4 comments:

MiraMar said...

أدمعت عيناي
بجد والله
أتأثرت جدا
أختيار موفق
مدونتك جميله استمتعت بالتجول فيها
كل سنه وانتي طيبه
:)))))))))

Ahmed Essawy said...

ما شاء الله انا اندهشت من هول الموقف ...عادي او سمعت الموقف دا حصل من الف سنه ولا حاجه ...لكن دلوقت في حاجه كدا ؟؟؟؟

"ان فى الجسد مضغه اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله وهى القلب"

هو دا الي هما فيه بالظبط ...كل واحد عنده قلب صافي نقي ...شفاف..
خايف علي التاني اكتر ما هو خايف علي نفسه ..و لايمكن يكون بيبتغي حد تاني في الدنيا غير الله...هي دي النفوس الصافيه .....

ياااااه لو لسه في ناس كدا دلوقت ....
:(

هو دا الاخلاص ...و الاخلاص في كل شئ ..

mohand said...

السلام عليكم

جميل قوي اننا نحترم مشاعر بعض
نخاف علي بعض

نحس ببعض

فعلا جميل

بابا عامل ايه دلوقتي؟

MarwaAshraf said...

أيوة كده.. اكتبي ونوري مدونتك

رائعة الفتفوتة دي جميلة أوي .. بجد الموقف أثر فيه أوي

تحياتي ليكي يا سكر

:)